ضوابط العمل الصحفي و المسؤولية الجزائية المترتبة عنه
مـقدمـة
المبحث الأول: القيود الواردة على العمل الصحفي.
المطلب الأول: القيود الإدارية المفروضة على العمل الصحفي.
الفرع الأول : القيود الإدارية المفروضة على العمل الصحفي في الظروف العادية.
الفرع الثاني : القيود الإدارية المفروضة على العمل الصحفي في الظروف الاستثنائية.
المطلب الثاني: القيود القانونية المفروضة على العمل الصحفي.
الفرع الأول : القيود الواردة في قانون العقوبات.
الفرع الثاني : القيود الواردة في قانون الإعلام.
المبحث الثاني :تنظم المسؤولية الجزائية عن العمل الصحفي.
المطلب الأول :الأشخاص المعرضون للمسائلة الجزائية عن الجرائم الصحفية وأساس مسؤوليتهم.
الفرع الأول :الأشخاص المعرضون للمسائلة الجزائية عن الجرائم الصحفية.
الفرع الثاني :أساس المسؤولية الجزائية المترتبة عن العمل الصحفي.
المطلب الثاني : إجراءات المتابعة الجزائية عن العمل الصحفي وتقدير الجزاء على الجرائم الصحفية.
الفرع الأول : إجراءات المتابعة من أجل الجرائم الصحفية.
الفرع الثاني : تقدير الجزاء على الجرائم الصحفية.
الـخـاتمـة
مـقدمـة
لقد أقر دستور 23 فيفري 1989 والمعدل سنة 1996 حق المواطن في الإعلام ،فكما قام بحماية حرية المعتقد وحرية الابتكار الفكري والفني والعلمي ،ضمن حرية التعبير وإنشاء التجمعات والاجتماع ،ولقد كرس هذا الحق القانون رقم 90/07 المؤرخ في 3 أفريل 1990 المتعلق بالإعلام في مادته الثانية عندما ذكر أن الحق في الإعلام يجسده حق المواطن في الاطلاع بكيفية كاملة وموضوعية على الوقائع والآراء التي تهم المجتمع على الصعيدين الوطني والدولي .
وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الأساسية في التفكير والرأي والتعبير طبقا للمواد 35/36/39/40 من الدستور.
وتجدر الإشارة أن مجال الإعلام كان يحكمه قانون 82/01 والذي ألغية بموجب قانون 90/07.
إن حق المواطن في الإعلام لا يتجسد إلا في إطار عمل صحفي مضمون بموجب نصوص قانونية ترسم للصحافي السبيل الذي يمارس من خلاله نشاطه الإعلامي بحرية من أجل الوصول إلى مصادر الخبر. كما يخول له هذا الحق على الخصوص أن يطلع على الوثائق الصادرة عن الإدارة العمومية التي تتعلق بأهداف مهمته.
والصحفي المحترف هو كل شخص يتخذ النشاط الصحافي مهنته المنتظمة ويعتمد عليها بصفة أساسية في دخله وبذلك يتفرغ للبحث عن الأخبار وجمعها وانتقائها واستغلالها وتقديمها (1).
ومن هنا يتضح أن العمل الصحفي هو البحث عن الأخبار وجمعها وانتقائها واستغلالها وتقديمها للجمهور ،وأن العمل الصحفي يتمحور حول سرد الوقائع دون ما تبديل أو تغيير أو تحريف ويكون هذا السرد إما بالنشر أو الإذاعة أو التلفزيون أو شبكات الاتصالات الالكترونية ،أي عن طريق الكتابة
أو القول أو الرؤية، وذلك من خلال إيضاح الوقائع التي حصل عليها الصحفي وسردها متحريا الأمانة والصدق دون تحريف، إذا فمهمة الصحافة الأولى هي نشر الأخبار وإعلام الجماهير بها.
إن حق المواطن في الإعلام ودور الصحافي في استفاء الخبر ونشره لا يكونان على إطلاقهما ،بل وضع القانون نطاقا لا يمكن تجاوزه حفاظا لكرامة الشخصية الإنسانية ومقتضيات السياسة الخارجية والدفاع الوطني وما يلحقهم من سر للتحقيق القضائي.
ويتفرع عن ذلك أيضا أنه يجب على الصحافي أن يحرس كل الحرس على تقديم إعلام كامل وموضوعي ونزيه وأن يصحح كل خبر يشك في صحة مصدره وأن يتحلى هو ذاته بأدبيات المهنة وأخلاقياتها المنصوص عنها بروح المواد: 32 إلى غاية 40 من قانون الإعلام كالنزاهة والموضوعية والصدق في التعليق على الوقائع والأحداث.
والصحافي باعتباره إنسانا يعيش في بيئة معينة ،فكان لزاما عليه التقيد في تعبيره بالقوانين والأعراف والعادات التي تسير عليها تلك البيئة ،فالأصل في الأنظمة القانونية أنه لا يمكن أن تكون هناك حرية بلا قيد وإلا انقلبت إلى فوضى ،وحملت في طياتها البغي والعدوان على كيان الدولة وحريات واعتبار الآخرين.
ولما كان المشرع هو السلطة المنوط بها الاختصاص بتنظيم الحريات من جهة وحماية النظام العام من جهة أخرى وتبعا لذلك كان لزاما عليه أن يعمل جاهدا على إرساء حرية الصحافة في كنف احترام والحفاظ على النظام العام واعتبار الأشخاص وشرفهم.
ويكتسي موضوع بحثنا أهمية بالغة ،ولعل ذلك راجع إلى أنه في الكثير من الأحيان يساء فهم معنى حرية التعبير الأمر الذي يؤدي بالصحافي إلى الوقوع في المحظور ويتعرض بذلك إلى المسائلة الجزائية والعقاب. بالإضافة إلى حداثة التجربة الديمقراطية في الجزائر والتي تعتبر فتية مقارنة بتجارب البلدان الأخرى وخاصة منها الأوربية . وهو ما أدى بنا إلى انجاز هذه الدراسة من أجل توضيح الضوابط والقيود الواردة على العمل الصحفي والمسؤولية الجزائية المترتبة عنه وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
• ما هي الحدود التي وضعها المشرع الجزائري على ممارسة العمل الصحافي؟
• كيف نظم المشرع الجزائري المسؤولية الجزائية المترتبة على العمل الصحافي؟
• هل أفرط المشرع الجزائري في تضييقه لمجال الحرية بمناسبة العمل الصحفي؟
وللإجابة على هذه الأسئلة ، ارتأينا إتباع الخطة التالية والموزعة على مبحثين.
• المبحث الأول : القيود الواردة على العمل الصحفي والذي من خلاله نتطرق إلى مختلف القيود القانونية والإدارية المفروضة على العمل الصحفي.
• المبحث الثاني: المسؤولية الجزائية المترتبة على العمل الصحفي ونتطرق من خلاله إلى كيفية تنظيم المشرع الجزائري لهذه المسؤولية ،وإجراءات المتابعة ومختلف العقوبات المقررة على العمل الصحفي.
المبحث الأول القيود الواردة على العمل الصحفي
تختلف القيود المفروضة على العمل الصحفي وتنقسم إلى قيود إدارية وأخرى قانونية ،ولهذا فقد قسمنا هذا البحث إلى مطلبين ، نعالج في المطلب الأول القيود الإدارية وفي المطلب الثاني نتطرق للقيود القانونية.
المطلب الأول : القيود الإدارية المفروضة على العمل الصحفي
وهنا يجدر بنا الأمر أن نفرق بين القيود التي تفرضها الإدارة في الظروف العادية عن تلك المفروضة في الظروف الاستثنائية ،وهو ما سنعالجه في الفرعين الآتيين :
*الفرع الأول: القيود الإدارية المفروضة على العمل الصحفي في الظروف العادية
هناك قيود سابقة للنشاط الإعلامي وأخرى لاحقة له وهي على العموم تتمثل في :
1/الرقابة الإدارية السابقة للنشاط الإعلامي :
يوجب قانون الإعلام قبل إصدار أية نشريه أو توزيعها بإتباع شكليات الإيداع والمتمثلة أساسا في تقديم تصريح مسبق إلى السيد :وكيل الجمهورية المختص إقليميا في أجل أقصاه ثلاثين (30) يوما قبل السعي في إصدار العدد الأول ،ويتم هذا التصريح على ورق مختوم يوقعه مدير النشرية لقاء وصل ينطوي على مواصفات محددة قانونا (1).
إضافة إلى ذلك أوجب القانون بمناسبة عملية التوزيع للنشريات الدورية إيداع نسختين اثنتين لدى وكيل الجمهورية المختص إقليميا بعد توقيعهما من طرف مدير النشرية ،إذ يتحقق وكيل الجمهورية بمناسبة تلقيه التصريح وتسليم الوصل المقابل له من مدى التزام النشرية بالضوابط القانونية ،كما يراقب بمناسبة إيداع النشرية الدورية الوطنية والأجنبية عند توزيعها في مدى شمولها على ما يخالف الخلق الإسلامي والقيم الوطنية وحقوق الإنسان والدعوة إلى العنصرية والتعصب أو الخيانة سواء كان ذلك في شكل رسم أو صورة أو حكاية أو خبر أو بلاغ ،فضلا عن البحث في مدى عدم تضمن النشرية على أي إشهار أو إعلان من شأنه أن يشجع العنف والجنوح أو يحرض عليه.
وهنا يثور التساؤل عن المغزى المتوخي من منح صلاحية المراقبة السابقة للنشريات الدورية إلى وكيل الجمهورية وكذا الطبيعة القانونية للقرار الذي يصدره في هذا الصدد (1).
ويبدو واضحا أن المشرع في منحه هذه الصلاحية لوكيل الجمهورية باعتباره جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية أراد فرض رقابة أولية على ممارسة العمل الإعلامي سواء من حيث إصدار النشرية أو من حيث توزيعها .
غير أن المنطق القانوني يجعلنا نتساءل ونقول أن القرار الصادر عن وكيل الجمهورية والمتمثل خاصة في منح الوصل أو الامتناع عنه يعد تصرفا إداريا يخضع بطبيعته للمراقبة. وأمام سكوت النص ،يبقى التساؤل قائما بشأن طبيعة هذه المراقبة : هل هي رقابة إدارية تسلسلية فقط أم أنها تتعدى إلى مستوى الرقابة القضائية أمام الغرفة الإدارية للبحث في مدى مشروعيتها شأنها في ذلك شأن القرارات الإدارية الأخرى.
2/الرقابة الإدارية اللاحقة للنشاط الإعلامي :
نتيجة لتمتع الإدارة بسلطة الضبط الإداري ،فإنها تمتلك إمكانية الحجز والتوقيف وذلك حفاظا على النظام العام من الفوضى والاضطرابات.
والحجز على الصحف هو إجراء وقائي مقيد لحرية تداول الصحف الذي بمقتضاه تقوم الإدارة بوضع يدها على عدد معين من نسخ الصحيفة سواء في المطابع أو لدى مكاتب التوزيع أو الباعة لمنع تداولها.
بالإضافة إلى جواز إصدار الإدارة لقرار بالحظر توجهه إلى إدارة الصحيفة بقصد منع بيع أو توزيع أو عرض للبيع عدد أو أعداد من الصحيفة بدعوى أنها تنطوي على مقالات أو أخبار من شأنها تكدير أو تعريض النظام العام للخطر.
إلا أن صلاحيات الإدارة في هذا المجال محددة ببعض الشروط وضعها القضاء الإداري الفرنسي
وهي :
1- أن يشكل صدور الصحيفة أو الكتابة خطر على النظام العام.
2- أن لا تملك الإدارة الإمكانيات المادية لمواجهة هذه الاضطرابات.
3- أن يكون الحجز محدد المدة والمكان تبعا للخطر المراد تجنبه.
4- توفر ظرف الاستعجال والمتمثل في تعرض النظام العام لخطر محدق.
حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي بأنه :"..... إذا كان يعود لرؤساء البلديات وفي باريس للوالي أخد الإجراءات الضرورية لضمان النظام والأمن العام ،فإن هذه الصلاحيات لا تؤهل أخد إجراءات وقائية بحجز الجريدة بدون تبريره."
أما بخصوص القانون الجزائري فقد خول المشرع لرئيس البلدية (1) والوالي (2) باعتبارهما سلطتا ضبط إدارية القيام بالحفاظ على الأمن والنظام العامين.
وهنا يمكن أن يكون قرار الإدارة محل دعوى إدارية من أجل إلغائه وذلك من أجل التعسف في استعمال السلطة أو حالات الاعتداء المادي (3).
وأجاز في هذه الحالة القضاء الفرنسي اللجوء إلى القضاء الإداري الاستعجالي لتوفر حالة الاستعجال وما يترتب عنه من خسائر مالية نتيجة التوقيف والحجز.
إلا أن المشرع الجزائري اتجه اتجاها مغايرا في المادة 171 مكرر من قانون الإجراءات المدنية التي استثنت المنازعات المتعلقة بالنظام أو الأمن العام من اختصاص القضاء الإداري الاستعجالي.
إلى جانب كل من الوالي ورئيس البلدية ،يتمتع وزير الداخلية ببعض الصلاحيات في ميدان النظام العام والأمن العمومي (1) ،وبهذا أصبح وزير الداخلية مؤهلا للقيام بحجز النشريات وتوقيفها متى كانت مهددة للنظام والأمن العموميين.
*الفرع الثاني : القيود الإدارية المفروضة على العمل الصحفي في الظروف الاستثنائية
لقد مرت البلاد بظروف استثنائية استدعت صدور المرسوم الرئاسي رقم :91/196 المؤرخ في 04/06/1991 المتضمن تقرير حالة الحصار ،والمرسوم الرئاسي رقم :92/320 المؤرخ في 11/08/1992 الذي يتمم المرسوم الرئاسي رقم :92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ وبموجب ذلك فإن حرية الصحافة تضيق ليتوسع مجال تدخل السلطة العسكرية من خلال فرض أشكال الرقابة على النشر ،إذ نصت المادة 07 من المرسوم الرئاسي 91/196 على أنه يجوز للسلطات العسكرية أن تمنع إصدار المنشورات التي تعتقد أنها كفيلة بإثارة الفوضى وانعدام الأمن أو استمرارها.
وقد نصت المادة (03) من المرسوم الرئاسي رقم :92/44 المتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 92/320 على جواز وقف الإدارة لأي نشاط من شأنه أن يعرض النظام العام أو الأمن العمومي أو السير العادي للمؤسسات أو المصالح العليا للبلاد للخطر. وذلك عن طريق قرار وزاري لمدة لا تتجاوز ستة(06) أشهر وبذلك تأثرت حرية الصحافة تأثر مباشرا بسبب فتح المجال أمام السلطات الإدارية والعسكرية بأن تفرض رقابتها على الصحافة.
وبموجب ذلك تم وقف بعض النشريات الدورية وحجزها ،وبموجب المرسوم الرئاسي رقم :92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ ،أصدرت وزارة الثقافة والاتصال قرارا يقضي بتعليق يومية الوطن لمدة أسبوعين ] من 02 إلى 15 جانفي 92 (1) [ بسبب نشرها لخبر تحت عنوان "ثمانية شرطيين قتلوا البارحة" وتبع التعليق وضع ستة صحفيين رهن الحبس المؤقت بما فيهم مدير الجريدة حيث نسبت إليهم ستة تهم من بينها المس بأمن الدولة، وإفشاء معلومات عسكرية......
وفي هذا الصدد أصدرت وزارة الداخلية والجماعات المحلية يوم :08 أوت 1992 قرارا يتضمن تعليق صدور يومية لاناصيون « LA NATION » بسبب نشرها لخبر لا أساس له من الصحة المؤرخ
يوم :26/07/1992 مفاده توقيف السيد/ حاج موسى أخاموخ زعيم قبائل الاهقار (أميرا لعقال-تامنراست) بسبب تورطه في قضية أحد كبار المهربين في الجنوب.
وهذا ما من شأنه أن يمس باستقرار منطقة الاهقار نظرا لمكانة المعني بالمقال ،وعليه تم غلق مقر الجريدة (2).
المطلب الثاني : القيود القانونية المفروضة على العمل الصحفي
لقد وضع المشرع الجزائري ضوابط قانونية يتحتم على الصحفي التحلي بها ،وهي موزعة بين قانون العقوبات وقانون 90/07 المتعلق بالإعلام ،وذلك من أجل حماية اعتبار وشرف الأشخاص وسمعة الهيئات النظامية ،وكذلك لصون أمن الدولة والنظام العام والآداب العامة ،ولذلك سنتناول بالبحث والدراسة هذه القيود في الفرعين الآتيين :
*الفرع الأول: القيود الواردة في قانون العقوبات
لقد وضع قانون العقوبات جملة من القيود التي يعد تجاوزها جريمة معاقب عليها وتستوجب المسائلة الجزائية ،ومن بين هذه الجرائم نذكر:
1-الـقـذف:
أ/تعريفها وتاريخها:
تعرف المادة:296 من قانون العقوبات القذف على النحو التالي:" يعد قذفا كل ادعاء بواقعة من شأنها المساس بشرف أو اعتبار الأشخاص أو الهيئات المدعى عليها بها أو إسنادها إليهم أو إلى تلك الهيئة".
نلاحظ أن المشرع الجزائري نص على جريمة القذف ضمن أحكام قانون العقوبات وليس ضمن أحكام قانون الإعلام الصادر في 03/04/1990 خلافا للمشرع الفرنسي الذي نص على هذه الجريمة ضمن أحكام قانون الإعلام.
ولا تعتبر الجزائر البلد الوحيد الذي أقدم على ذلك، فقد سبقتها في ذلك بلدان عديدة نذكر منها مصر على سبيل المثال (1).
والقذف كان منصوصا عليه ومعاقبا عليه منذ تقنين نابليون في سنة 1810 ثم ألغي تجريمه بمقتضى قانون مؤرخ في 17/05/1819 ثم أعيد تجريمه من جديد وبتفصيل بمقتضى قانون مؤرخ في 29/07/1881 م.
إن قانون 1881 كان مطبقا في الجزائر حتى سنة 1966 تاريخ صدور قانون العقوبات الجزائري ، وما يلاحظ أن هذا القانون أعد خمسة نصوص (المواد : 296 – 297 – 298 – 298 مكرر-299 ) فقط لتحديد ومعاقبة أفعال القذف والسب ، وهي بغير شك غير كافية لتغطية كل الحالات التي يتوفر فيها المساس بشرف واعتبار الأشخاص ،وبذلك يتعين على القاضي أن يجتهد لملئ الفراغ الذي يجده ومنها نذكر : (1)
1-الاستفزاز في جريمة القذف فهل يعذر القاذف باستفزاز المقذوف له ؟ وإن كان الجواب بـ: لا في التشريع الفرنسي ،فإن ذلك غير منصوص عليه في الجزائر.
2- إثبات فعل القذف فهو أمر مقبول في التشريع الفرنسي مع بعض الاستثناءات ،كما لو كان إسناد الواقعة يتعلق بالحياة الشخصية للمقذوف أو كانت الواقعة تشكل جريمة تقادمت أو أعفى عنها ،أو كانت وقائع قذف تعود إلى أكثر من عشر (10) سنوات . وهو أمر غير منصوص عليه في الجزائر.
3-الإعفـاءات من المتابعة بتهمة القذف والسب في خطابات وتدخلات نواب الشعب في المجلس الشعبي ومجلس الأمة ،فهي واردة في التشريع الفرنسي وغير مذكورة في التشريع الجزائري
ب/أركان الجريمة :
تقوم الجريمة على أركان ثلاثة وهي : الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير ، العلنية ، القصد الجنائي(2).
أولا : الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير
أ / الادعاء أو الإسناد:
فالادعاء يحمل معنى الرواية عن الغير أو ذكر الخبر محتملا الصدق والكذب، في حين الإسناد نسبة الأمر إلى شخص المقذوف على سبيل التأكيد سواء كانت الوقائع المدعى بها صحيحة أو كاذبة.(1)
ولا يتحقق القذف بالإسناد فقط ،بل يتحقق أيضا بكل صور التعبير ولو كان ذلك بصفة تشكيكية أو استفهامية أو غامضة.
وبهذا الصدد جاء قرار المحكمة العليا (2) لينقض قرار المجلس الذي برأ المتهم بسبب عدم ذكر اسم الطرف المدني ،ولم يأتي بأسباب أخرى يوضح فيها بأن هذا الأخير لم يكن مقصودا لا من بعيد ولا من قريب بالعبارات الواردة في الرسالة.
واعتبرت قذفا كل ادعاء بواقعة من شأنها المساس بشرف واعتبار الأشخاص أو إسنادها إليهم وتعاقب على نشر هذا الادعاء أو ذلك الإسناد حتى ولو تم على وجه التشكيك أو إذا قصد به شخص دون ذكر اسم ،ولكن كان من الممكن تحديده من عبارات الكتابة موضوع الجريمة.
ويستوي في القذف أن يسند القاذف الأمر الشائن إلى المقذوف على أنه عالم به أو يسنده إليه بطريق الرواية عن الغير أو يردده على أنه مجرد إشاعة ،فإذا ذكر القاذف الخبر وأرفقه بعبارة "والعهدة على الراوي" فإن ذلك لا يرفع عنه مسؤولية القذف ،وتبعا لذلك قضي بأنه يعد قاذفا من ينشر في جريدة مقالا سبق نشره في جريدة أخرى وكان يتضمن قذفا على أساس أن إعادة النشر يعد قذفا جديدا(3).
ب/تعيين الواقعة : يجب أن ينص الإدعاء أو الإسناد على واقعة معينة ومحددة ،وبهذا الشرط يتميز القذف عن السب وهكذا يعتبر قاذفا من أسند إلى شخص سرقة سيارة فلان أو موظفا اختلس مالا بين يديه.
أما إذا كان الإسناد خاليا من واقعة معينة ،فإنه يكون سبا وليس قذفا مثل إسناد إلى شخص شيء كأنه سارق أو نصاب أو مرتش(1).
ج / واقعة من شأنها المساس بالشرف والاعتبار : والعبارتان لا تؤديان نفس المعنى.
فشرف الإنسان لا يعني قيمته في نظر غيره ،وإنما يعني قيمته في تصوره هو ،كشخص مرتاح الضمير ، ومن ثم فالفعل الماس بالشرف هو الذي يمس قيمة الإنسان عند نفسه ، وهو الفعل المخالف للنزاهة والإخلاص مثل : تاجر غش في الميزان ، أو طالب غش في الامتحان.
أما اعتبار الإنسان فيخص الصورة التي يريد أن يكون عليها في نظر غيره ، فالفعل الضار هو الذي يحط من كرامة الإنسان أو شخصه وبصفة عامة كل ما يوجه احتقار للغير(2). ونلاحظ أن المشرع لم يفرق بين الشرف والاعتبار وأخذهما في وجهة واحدة.
ومسألة المساس بالشرف والاعتبار مسألة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، والمشرع الجزائري لا يشترط أن تكون الواقعة المسندة صحيحة، فالقانون يعاقب على مجرد الإسناد سواء كانت صحيحة أو كاذبة، أما المشرعان المصري والفرنسي فيشترطان عدم صحة الوقائع المسندة(3).
إلا أن المحكمة العليا اتجهت اتجاها مغايرا ، حيث اعتبرت أنه لا يقع تحت طائلة القانون إسناد الإدعاء بواقعة إلا إذا لم يتمكن صاحب الإدعاء من إثبات ادعائه ، ومن ثم يتعرض للنقض القرار الذي لم يبرر أن الواقعة محل الشكوى غير حقيقية (غ ج م ق 2 قرار 2/11/1999 ملف 195535 غ منشور) . والذي يبدو من خلاله أن المحكمة العليا أضافت إلى أركان جريمة القذف ركن جديدا غير وارد في المادة 296 ولا في المادة 298 من قانون العقوبات ويتعلق الأمر بعدم صحة الواقعة المسندة للمجني عليه ، وهو اتجاه لا يتفق وأحكام قانون العقوبات الجزائري الذي لا يشترط لقيام القذف عدم صحة الواقعة المسندة(1).
د / تعيين الشخص أو الهيئة المقذوفة :
يجب أن يكون المقذوف معنيا ولو بغير الاسم ، وإنما يفهم من القصد أنه ذلك الشخص ، فإذا لم يكن تعيين الشخص المقذوف ممكنا فلا يقوم القذف ، كما أن القذف يكون موجها للأحياء دون الأموات .
وقد يكون المقذوف شخصا أوهيئة.
فالشخص يقصد به كل شخص طبيعي أو معنوي.
أما الهيئات النظامية فلم يعرفها المشرع الجزائري على عكس المشرع الفرنسي الذي عرفها بأنها الهيئات التي لها وجود شرعي والتي خولها الدستور والقوانين قسطا من السلطة والإدارة العمومية
مثل(2) : البرلمان – مجلس الأمة – المجلس الشعبي الوطني – مجلس الحكومة – المحكمة العليا ....
بالإضافة إلى رئيس الجمهورية ورؤساء الدول الأجنبية.
ثانـيا: العـلنيـة:
وهو ركن مميز لجنحة القذف ، إدا غاب هذا الركن أصبحت مجرد مخالفة – المادة 463/2 من قانون العقوبات (سبب غير علني) .
وتحصل العلانية باتفاق القضاء والفقه بالكتابة والخطابة والصياح والتهديد والمناشير والمطبوعات والإعلانات والملصقات ،كما تحصل بالرسم والصور ، فإذا كانت العلانية بالكلام فيشترط في الكلمات أن يتفوه بها في الأماكن العمومية . وإذا كانت بالكتابة والرسم فيشترط في التشهير بواسطتها أن يتم في مكان عمومي أما البيع والتوزيع فهما وسيلتان تحققان العلانية بطبيعتهما إن تمتا خارج مكان عمومي.
إن أحكام المادة 296 ق ع قد تم تطبيقها بدون صعوبة على حالات القذف بواسطة السينما والإذاعة والتلفزة وقد ألحقت بها حالات القذف بواسطة الأسطوانات ولا محالة ستلحق بها وسائل الأنترنيث(1)
وتعد قضية جريدة اليوم مع رئيس المجلس الشعبي لبلدية سيدي عبد العزيز بجيجل خير مثال على ضرورة توافر ركن العلنية ، حيث تعتبر من أغرب القضايا في مجال المقالات المجرمة في الصحافة المكتوبة الجزائرية وذلك لقيام رئيس المجلس الشعبي لبلدية سيدي عبد العزيز برفع شكوى ضد مراسل جريدة اليوم بجيجل لتعرضه للقذف من طرف هذا الأخير ، بواسطة مقال لم ينشر بعد ، وقد أحيل المراسل الصحفي على محكمة الجنح بالطاهير والتي برأت ساحته لكون المقال لم ينشر بعد وبذلك فركن العلنية غير متوفر في قضية الحال .
كما اشترطت المحكمة العليا في قرارها رقم : 205356 الصادر بتاريخ 31/05/2005 لقيام جريمة القذف المساس بشرف الشخص عن طريق النشر أو إعادة النشر(2).
ثالـثا: القصد الجنائي:
وهو معرفة الجاني بأن كلامه أو كتابته يصيب بها الغير في شرفه واعتباره ولا يستلزم نية الإضرار التي تكون مفترضة، فهي تستفاد من طبيعة اللفظ أو الكتابة أو الرسم المكون للجريمة ،وقد أكد مرارا مجلس النقض في فرنسا وهو يشير على وجه الخصوص إلى الصحفيين أن ضرورة الإعلام وغياب الضغينة الشخصية بين الصحافي والمقذوف لا يكفيان لإزالة سوء النية المفترضة(1).
2-الـسـب :
أ / تعريف جريمة السب ومقارنتها بجريمة القذف :
حسب المادة 297 من قانون العقوبات ، فإنه يعد سبا كل تعبير مشين أو عبارة تتضمن تحقيرا أو قدحا لا ينطوي على إسناد أية واقعة.
وعلى عكس جريمة القذف التي تشير إلى واقعة معينة ، فإن جريمة السب تتوفر بمجرد التلفظ بعبارة جارحة أو مشينة أو محقرة في حد ذاتها ، كأن يوصف شخص بأنه فاسق أو فاجر أو سكير......
وعلى غير ما هو مقرر في جريمة القذف ، فإن الاستفزاز يبرر جريمة السب ،فالقضاء لا يؤاخذ مرتكب السب إدا كانت الضحية هي التي استفزته ، فلم يتمالك على الرد عليها إلا بالسب ، لكن بشرط ألا يعين في رده واقعة محددة وإلا كنا أمام جريمة قذف(2).
وقانون العقوبات الجزائري ينص ويعاقب على نوعين من السب، سب يقع في العلن وهو جنحة منصوص ومعاقب عليه بالمادة 297 ق.ع، وسب غير علني ويشكل مخالفة منصوص ومعاقب عليه بالمادة 463 /2 ق.ع .
ب / أركان جريمة السب :
أولا : العلانـيـة : فلا يشكل السب جنحة إلا إذا وقع علانية . وما قيل بخصوص العلانية في جريمة القذف ينطبق عليها في جريمة السب.
ثـانيـا : العبارات المشينة :
إن القانون لا يشترط في جريمة السب الإشارة إلى واقعة معينة كما هو الحال في جريمة القذف ، فيعتبر سبا كل تعبير يتضمن خدشا وتحقيرا بشرف ومكانة المجني عليه ، دون أن يكون موضوع واقعة مسندة أو معينة.
تقدير عبارات السب متروك لقاضي الموضوع يقدرها تحت رقابة المحكمة العليا ، ويؤخذ بعين الاعتبار المكان والزمان ، فقد يعتبر الكلام بذيئا في منطقة معينة ويعتبر عاديا في منطقة أخرى ، كما إن الكلام الذي يعتبر بذيئا في وقت ما قد يصبح مألوفا في وقت لاحق (1).
ويجب الإشارة إلى العبارات المشينة الموجهة للضحية والذي يشكل الركن المادي للجريمة(2).
ثـالـثا : الضحية :
كما هو الحال في القذف ، يشترط في السب أن يكون موجها ضد شخص أو أكثر أو ضد مجموعة عرقية أو مذهبية أو دينية ، أما عن الشكل الذي يتم فيه السب ، فيستوي أن يقع بالقول أو الكتابة أو الرسم .... شأنه في ذلك شأن القذف.
رابـعا : القصد الجنائي :
يشترط في جريمة السب ما يشترط في جريمة القذف، العلم بمعاني الألفاظ ورموز الوسائل التي يستعملها، ونية الأضرار بالغير، وسوء النية في جريمة السب مفترض كما هو الحال في جريمة القذف.
3 – الإهـانـة :
نص قانون العقوبات على هذا الفعل وعاقب عليه بنص المادة 144 من قانون العقوبات.
وأضاف المشرع في تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم :01-09 صورة جديدة تتمثل في إهانة بعض الهيئات العمومية.
أ / أركان الجريمة :
من خلال المواد 144 و 144 مكرر و 146 نستخلص أركان جريمة الإهانة وهي : صفة الضحية ، الوسيلة المستعملة ، القصد الجنائي.
أولا : صفة المجني عليه(1)
يجب أن يكون قاضيا أو موظفا أو قائدا أو ضابطا عموميا أو أحد رجال القوة العمومية ، أو إحدى الهيئات العمومية الآتية : البرلمان بغرفتيه ، المجالس القضائية والمحاكم ، الجيش الوطني الشعبي والهيئات العمومية بوجه عام.
ثانـيـا : الوسيلة المستعملة (2)
لقيام جريمة الاهانة يجب أن تتم بإحدى الوسائل الآتية : الكلام ، الإشارة ، الكتابة ، التهديد ، إرسال أو تسليم شيء ، الرسم وإذا تعلق الأمر بالهيئات العمومية فيجب أن تكون الاهانة بواسطة الكلام أو الكتابة أو الرسم أو آليات بث الصوت أو الصورة وأية وسيلة الكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى.
ثالـثـا: المناسبة (1)
يجب أن تتم الإهانة أثناء تأدية الوظيفة أو بمناسبة تأديتها ، أما إذا تعلق الأمر بالإهانة الموجهة إلى الهيئات العمومية ، يفقد شرط المناسبة أهميته باعتبار أن هذه الهيئات تؤدي وظيفتها على الدوام.
ب / الركن المعنوي:
لقيام جريمة الإهانة يجب توافر القصد العام والقصد الخاص.
• القصد العام: يتحقق بعلم الجاني بصفة الضحية واستهدافها اعتبارا لتلك الصفة.
• القصد الخاص : ويتمثل في نية المساس بالشرف أو بالاعتبار أو بالاحترام الواجب بم تكتسبه الوظائف العمومية من هيبة تستوجب الاحترام.
4 – الإسـاءة:
هي جريمة مستحدثة اثر تعديل قانون العقوبات والإساءة إما أن توجه إلى رئيس الجمهورية أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وباقي الأنبياء بالإضافة إلى الاستهزاء بالمعلوم من الدين وشعائره.
أولا: أركان الجريمة: انطلاقا من المادة 144 مكرر من قانون العقوبات تقوم جريمة الإساءة على الأركان التالية:
أ / الركن المادي:
وهو يتفرع إلى ثلاث عناصر هي : مضمون التعبير ، سند التعبير وصفة المجني عليه.
• مضمون التعبير : تقوم جريمة الإساءة إذا تضمن التعبير اهانة أو سبا أو قذفا .
• وسيلة التعبير : وتتمثل في الكتابة والرسم والتصريح والوسائل السمعية البصرية والالكترونية والمعلوماتية والوسائل الإعلامية الأخرى.
• صفة المجني عليه(2): وتتمثل في إما رئيس الجمهورية أو الرسول الكريم وباقي الأنبياء بالإضافة إلى الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة وشعائر الدين الإسلامي.
1-رئيس الجمهورية : ويقصد به رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،أما رؤساء الدول الأجنبية فإن الإساءة إليهم معاقب عليها بالمادة 94 من قانون الإعلام.
2-الرسول (صلعم) وباقي الأنبياء : ويتعلق الأمر بنبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم .
3-الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة وشعائر الدين الإسلامي: جاءت المادة 144 مكرر من قانون العقوبات لتجريم هذا الفعل ويقصد به الإساءة إلى كل ما يجب على المسلم أن يعلم به وكل ما فرضه الله تعالى عليه كوحدانية الله، وأحكام الصلاة والصوم....... ، وإلى شعائر الدين الإسلامي المتمثلة في أركان الإسلام الخمسة.
ب / الركن المعنوي:
تقتضي جريمة الإساءة توفر القصد الجنائي وهو غير مفترض لكن يمكن استخلاصه من ظروف الجريمة كانعدام الجدية في جمع المعلومات وانعدام الحيطة في التعبير(1).
5- النشر المؤدي لانتهاك حرمة الآداب العامة :
يهدف المشرع بالتنظيم القانوني للعقاب على انتهاك حرمة الآداب العامة بالنشر إلى حماية الآداب العامة وحسن الأخلاق السائدة في المجتمع ، فهو لا يحمي شخصا معينا ، وإنما يحمي الجمهور من كل فعل يعد انتهاكا للقيم الأخلاقية السامية ، والتي يؤمن بها ويحترمها أفراد المجتمع أو الغالبية العظمى منهم ، ولقد نصت عليها المادة 333 مكرر من قانون العقوبات (2).
أركان الجريمة :
لهذه الجريمة ركنان : ركن مادي وركن معنوي .
أ / الركن المادي : يتكون الركن المادي في هذه الجرائم مما يلي :
1- الفعل المادي المتمثل في فعل من الأفعال الخاصة بالنشر المذكورة في المادة 333 مكرر على سبيل الحصر وهي : " العرض – التوزيع – اللصق – إقامة المعارض "
2- أن يقع هذا الفعل بواسطة إحدى الوسائل أو الأشياء المذكورة في نهاية المادة وهي : كل مطبوع أو محرر أو رسم أو إعلان أو صور أو لوحات زيتية أو صور فوتوغرافية ، أو أصل الصورة أو قالبها.
3- أن يكون هذا الفعل والوسائل السابقة مما يخل بالحياء لدى الناس.
4- أن تتم هذه الأفعال في علانية أو حيازتها بدون علانية.
ب / الركن المعنوي: وهو يتحقق بمجرد علم الحائز أو الصانع أو المستورد أو البائع أنه يحوز أشياء تخدش الحياء العام لدى الأشخاص أو منافية للآداب.
وإلى جانب القيود، والضوابط الواردة في قانون العقوبات ، نجد قانون الإعلام رقم :90/07 الذي جاء بجملة من الضوابط والتي سنتطرق لها فيما يلي .
*الفرع الثاني : القيود الواردة في قانون الإعلام .
جاء المشرع في قانون الإعلام 90/07 في الباب السابع منه تحت عنوان أحكام جزائية ليورد بعض الأفعال ، اعتبرت بمفهوم هذا القانون أفعالا تخرج عن دائرة ومجال حرية الصحافة ، ولا تحضى بالحماية الدستورية ، بل أدخلها دائرة التجريم وأفرد لها العقاب المناسب وتتمثل هذه الأفعال عموما في :
1/ جريمة إصدار دورية بدون تصريح أو عدم احترام شكلية التصريح: تعاقب على هذا الفعل المادة 79 من قانون الإعلام ، وذلك بنصها على وجوب احترام الشكليات الواردة في المواد :14 ، 13 ،19 ،22 من نفس القانون والمتمثلة أساسا في شكل التصريح وآجاله والجهة التي يقدم أمامها ومضمون هذا التصريح .
- الركن المادي لهذه الجريمة :
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في عدم تقديم التصريح بالإصدار من طرف مدير النشرية لوكيل الجمهورية المختص إقليميا بمكان صدور الجريدة في الآجال المحددة بـ:30 يوما قبل صدور العدد الأول من الجريدة .
كما يجب أن يكون التصريح على ورق مختوم عليه طابع جبائي يحتوي على البيانات الأساسية حول الناشر ومدير النشر والنشرية ومكان الطبع وهي البيانات المحددة في المادة 19 من قانون 90/07 ،كما يجب أن يكون التصريح مرفقا بالقانون الأساسي للشركة صاحبة النشرية أو التصريح بوجود الحزب أو الجمعية أو النقابة المالكة للنشرية ، وكذلك الوثائق الخاصة بمدير النشر كالجنسية وصحيفة السوابق العدلية والمؤهل الدراسي والخبرات المهنية .
2/ جريمة الحصول على مساعدات مالية من هيئات أجنبية: نصت على هذه الجريمة المادة 81 من قانون الإعلام والتي تمنع تلقي الأموال والمنافع من الهيئات الأجنبية ما عدا الأموال المخصصة في دفع الاشتراكات والإشهار حسب التعريفات والتنظيمات المعمول بها.
- الركن المادي لهذه الجريمة:
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في حصول مدير الأجهزة الإعلامية المذكورين في المادة 04 من قانون الإعلام وهم:
- مديري عناوين الإعلام وأجهزته في القطاع العام.
- مديري العناوين والأجهزة التي تمتلكها أو تنشئها الجمعيات ذات الطابع السياسي .
- العناوين والأجهزة التي ينشئها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الخاضعون للقانون الجزائري .
على الأموال أو المنافع من هيئة عمومية أو هيئة أجنبية ما عدا الأموال المخصصة في دفع الاشتراكات والإشهار حسب التعريفات والتنظيمات المعمول بها ، وذلك باسمهم أو لحساب النشرية بكيفية مباشرة أو غير مباشرة.
3/ جريمة بيع أو استيراد نشرية أجنبية بدون رخصة : نصت على هذه الجريمة المادة 82 من قانون الإعلام .
- الركن المادي لهذه الجريمة :
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في بيع أو استيراد أو توزيع النشرات الأجنبية المحظورة الاستيراد بالجزائر أو غير المحظورة لكن دون إتباع الإجراءات الضرورية والمتمثلة في الحصول على التصاريح الضرورية والقيام بالإجراءات الجمركية.
4/ جريمة بيع نشرية محلية بدون رخصة : نصت على هذه الجريمة المادة 83 من قانون الإعلام .
- الركن المادي لهذه الجريمة :
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في بيع الجرائد بالتجوال أو بيعها في الطريق العام دون الحصول على رخصة مسبقة من المصالح البلدية واستظهار تصريح غير صحيح في شأن البيع المتجول كما هو منصوص عليه بالمادة 54 من نفس القانون.
5/ جريمة عدم احترام شكلية الإيداع: نصت عليه المادة 84 من قانون الإعلام والتي توجب احترام شكلية الإيداع المنصوص عليها في المادة 25 من نفس القانون.
- الركن المادي لهذه الجريمة :
يتمثل الركن المادي لهذه الجريمة في عدم القيام بالإيداع القانوني أو عدم احترام شكلية الإيداع الخاص بالنشريات ، وهي مختلفة عن الإيداع القانوني المحدد في الأمر 96/16 والخاص بالكتب والأفلام وبرامج الحاسب الآلي .
وهذه الشكليات هي محددة في المادة 25 من قانون الإعلام وهي كالآتي:
- نسختان من جميع النشريات يوقعها مدير النشرية وتودعان لدى وكيل الجمهورية المختص إقليميا.
- عشر (10) نسخ يوقعها مدير النشرية وتودع لدى المكتبة الوطنية .
- خمس(05) نسخ من النشريات الإعلامية العامة يوقعها المدير وتودع لدى المجلس الأعلى للإعلام.
- خمس(05) نسخ يوقعها المدير تودع لدى الوزير المكلف بالداخلية.
6/ جريمة إعارة الاسم : نصت عليها المادة 85 وتتمثل أساسا في إعارة الشخص اسمه لمالك نشرية أو بائعها المتجول أو الوصي عليها.
- الركن المادي لهذه الجريمة :
كل شخص يعير اسمه لمالك نشرية أو بائعها المتجول أو الوصي عليها ونفس الحكم ينطبق على المستفيد من إعارة الاسم ، وهذه المادة تمنع التلاعب الواقع في المادتين 14 و 22 ، حيث يلجأ بعض الأشخاص اللذين ليس لهم الحق في إصدار دورية بأنفسهم في استئجار أشخاص آخرين ، ويصبح اسمهم صوريا ،بينما المالك أو الناشر ومدير النشر أشخاص ممنوعين من إصدار النشريات.
7/ جرائم المساس بالأمن العام والوحدة الوطنية : نصت على هذه الجرائم المواد :86 ، 87 ، 88 من قانون الإعلام.
- الركن المادي لهذه الجرائم:
تعتبر هذه المواد من ضمن المواد القليلة التي تضع قيودا على النشر، وإن كانت تعادل المادة 87 مكرر المستخدمة في قانون العقوبات والتي تمنع عمليات الإشادة والتشجيع على العمليات الإرهابية وهي تتشكل من ثلاثة أنواع من الجرائم:
1/ جرائم نشر أخبار تمس الأمن العام والوحدة الوطنية .
2/ جرائم التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح ضد أمن الدولة والوحدة الوطنية .
3/ جرائم نشر وإذاعة الأخبار التي تحتوي على أسرار عسكرية أو وثيقة تتضمن سر عسكري.
ويشترط في جرائم المجموعة الأولى المذكورة في المادة 86 أن يكون النشر عمدا مع العلم بأنها أخبار كاذبة ن وهي من تقدير قاضي الموضوع بعد التحقيق فيها.
8/ الجرائم المخلة بسير العدالة: تعتبر جرائم النشر المخلة بالسير الحسن للعدالة من الجرائم الخاصة بالصحافة والتي احتواها قانون الإعلام رقم 90/07 وهذا في الفصل الخامس، في المواد من 89 إلى 96 من قانون الإعلام وهي
1)
1- نشر أو إذاعة بأية وسيلة صورا أو رسوما أو بيانات توضيحية أخرى تحكي ظروف الجنايات أو الجنح أو بعضها المنصوص عليها في المواد 255 إلى 263 و333 إلى 342 من قانون العقوبات.
2- نشر أو إذاعة بأية وسيلة كانت وقصد الإضرار بأي نص أو رسم بياني يتعلق بهوية القصر وشخصيتهم إلا إذا تم هذا النشر بناءا على رخصة أو طلب الأشخاص المكلفين.
3- نشر فحوى مداولات الجهات القضائية التي تصدر الحكم إذا كانت جلستها مغلقة وسرية.
4- نشر أو إذاعة مداولات المرافعات التي تتعلق بالأحوال الشخصية والإجهاض.
5- استعمال أي جهاز تسجيل أو جهاز إذاعي أو آلة تصوير تلفزيونية أو سينمائية أو عادية عقب افتتاح الجلسة القضائية ما لم تأذن بذلك الجهة القضائية.
6- نشر أو إذاعة مداولات المجالس القضائية والمحاكم .
7- التنويه المباشر أو غير المباشر بأية وسيلة من وسائل الإعلام بالأفعال الموصوفة أو الجنايات أو الجنح .
8- نشر أي أخبار أو وثائق تمس سير التحقيق والبحث الأوليين في الجنايات والجنح.
*الركن المادي:
يتحقق الركن المادي بنشر ما جرى في الدعاوى المدنية أو الجزائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية أو في الدعاوي التي حظر القانون النشر بشأنها ، ومن ثم يبدو أن لهذا الركن صورتين :
الأولى : نشر ما جرى في الدعاوى الجزائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية ، إذ على الرغم من أن القاعدة العامة هي علانية الجلسات ، إلا أن المشرع أجاز للمحكمة مراعاة للنظام العام والآداب العامة أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية ،فإذا قام المتهم بنشر ما جرى في مثل تلك الجلسات كان عمله مجرما ولا تمتد السرية إلى الحكم الصادر في الدعوى ، كما لا تسري على ما تم نشره قبل أن تقرر المحكمة سرية الجلسة. كما لا تمتد السرية إلى الحكم الصادر في الدعوى ، إذ من المقرر قانونا أن الحكم لا بد أن يصدر في جلسة علنية حتى ولو كانت الدعوى قد نظرت في جلسة سرية.
الـثانـية : نشر ما جرى في الدعاوى التي يحظر القانون النشر بشأنها ن حيث ينص المشرع على عدم جواز نشر ما يجري في بعض الدعاوي وهذه الدعاوي تتعلق بمجموعتين من الجرائم :
أ – جرائم القتل المقررة بالمواد من 255 إلى 266 من قانون العقوبات .
ب- الجرائم الأخلاقية التي نص عليها المشرع بالمواد من 333 إلى 342 من قانون العقوبات.
ويعتبر الحضر في مثل هذه الدعاوي حضرا مطلقا حيث لا يجوز النشر بشأنها ولو كانت الدعاوى منظورة في جلسة علانية أو في جلسة سرية.
الوسيلة المستعملة في النشر ومضمونها: يجب أن يتم النشر بالوسائل المنصوص عليها بالمادة 04 من قانون الإعلام باستعمال أي جهاز تسجيل أو جهاز إذاعي أو آلة تصوير تلفزيونية أو سينمائية أو عادية أو بأية وسيلة من وسائل الإعلام وأن يتم ذلك بواسطة صور أو رسومات أو بيانات توضيحية أخرى .
• الركن المعنوي :
اشترط المشرع نية الإضرار في المادة 91 من قانون الإعلام وذلك إدا تعلق الأمر بنشر أو إذاعة أي نص أو رسم بياني يتعلق بهوية القصر .وهو بذلك قد اشترط القصد الخاص إلى جانب القصد العام المتمثل في نية نشر ما هو متعلق بهوية القصر.
أما باقي الجرائم فيكفي لقيامها توافر القصد الجنائي العام وهو نية النشر أو الإذاعة .
وقد جاءت هذه المواد لمنع الصحافة نشر معلومات عن قضايا مطروحة على العدالة والذي قد يؤثر سلبا على مجراها الطبيعي قبل الفصل فيها أو بعد الفصل النهائي فيها بموجب حكم أو قرار اكتسب حجية الشيء المقضي فيه .
أ / قبل الفصل النهائي في الدعوى :
ويقصد بها الفترة التي تكون فيها القضايا على مستوى التحريات الأولية أو التحقيق القضائي والمحاكمة على مستوى الدرجة الأولى ، ويكون فيها النشر لمعلومات خاطئة أو محرفة أو غير كاملة له تأثيره السلبي على القضاة الذين سيتولون الحكم فيها.
إذ أن تسرب معلومات عن قضية لا تزال في طور التحقيق قد يعرقل السير الحسن لمجرى التحقيق على الشهود المحتملين أو الشركاء أو الضحايا .
كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغليط الرأي العام حول القضية إذا كانت نتائجها عكسية عما كان يتصوره هذا الرأي العام .
وفي هذا الصدد يبقى على العدالة تصحيح الأخبار الخاطئة عن طريق نشر المعلومات الكاملة عن مجرى القضايا بواسطة الوسائل الإعلامية المعهودة.
ب / بعد الفصل النهائي في الدعوة :
وهنا أيضا يتوجب التمييز بين التعليق على القرارات القضائية بغرض مناقشة موضوعيتها بالاستناد إلى معلومات خاطئة ،والتي يكفي أن يقع ردا شافيا من طرف رجال القضاء لتصحيح الخطأ ،وبين النشر العمدي الذي يمس بسمعة وكرامة وهيبة القضاء والذي يكون جريمة صحفية نص عنها قانون العقوبات في مادته 147 واستقطبها قانون الإعلام .
وفي هذه الحالة يتابع الصحافي والناشر الذي أخل بواجب احترام السلطة القضائية من خلال التعليق على قراراتها دون التحلي بالموضوعية عند المناقشة لها. كما أن وسيلة الإعلام المكتوبة ، السمعية أو المرئية قد ألزمها المشرع في المادة 52 من قانون الإعلام بالنشر المجاني لكل حكم أو قرار صادر نهائيا صدر لصالح كل شخص قضى ببراءته أو تضمن أمرا بالا وجه للمتابعة متى كان هذا الأخير محل خبر صحفي مسبق .
وفي هذا الصدد توبعت جريدة LE MATAIN في شخص مديرها السيد :بن شيكو محمد بوعلام بتهمة المساس بسير التحقيق والبحث الأولي في الجنايات والجنح المعاقب عليها في المادة 89 من قانون الإعلام ،وذلك في المقال النشور بالجريدة بتاريخ 30/07/1992 العدد 260 المكتوب بقلم بن شيكو محمد بوعلام ، حيث أعلن فيه عن توقيف المدعو شبوطي رئيس الحركة الإسلامية المسلحة . وقد أدانته المحكمة حيث حكمت عليه بـ: 03 أشهر حبس مع إيقاف التنفيذ.
9 / جريمة اهانة رؤساء الدول وأعضاء الهيئات الدبلوماسية : نصت على هذه الجريمة المادتين 94 و 98 من قانون الإعلام وتتمثل أركانها في :
- الركن المادي: وهو القيام بفعل الإهانة.
- صفة المجني عليه : وهو رئيس دولة يمارس مهامه أو أعضاء الهيئات الدبلوماسية .
- الوسيلة المستعملة : وهي أية وسيلة من وسائل الإعلام .
- القصد الجنائي : ويتمثل في علم الجاني بصفة المجني عليه ومع ذلك تتوجه إرادته إلى اهانته.
10 / جريمة إهانة حرمة الدين الإسلامي وباقي الأديان السماوية : لقد تناول المشرع جريمة الإهانة في المادة 144 مكرر من قانون العقوبات ، لذلك كان بإمكانه أن يلحق حكم المادة 77 من قانون الإعلام والمتعلقة بإهانة الدين الإسلامي وإهانة الأديان السماوية الأخرى بالمادة 144 مكرر من قانون العقوبات ، وتتمثل أركان هذه الجريمة في: صفة الضحية ، الوسيلة المستعملة ،القصد الجنائي .
1 /صفة الضحية : وتتمثل في الدين الإسلامي وباقي الأديان السماوية .
2 /الوسيلة المستعملة : تتم جريمة الإهانة بواسطة الكتابة أو الصوت أو الصورة أو الرسم أو بأية وسيلة أخرى .ومن هنا نستنتج أن الوسائل المحددة في نص المادة 77 من قانون الإعلام هي واردة على سبيل المثال لا الحصر .
3 /القصد الجنائي: تقتضي هذه الجريمة توافر القصد الجنائي المتمثل في قيام الجاني بالجريمة مع علمه بأركانها.
11 / حـق الــرد :
يعتبر حق الرد تقييدا لإطلاق الحق في النشر والحق في الإعلام بصفة عامة ،حيث أن أي حق من الحقوق ليس مطلقا ، وإنما هو مقيد بحدود عدم الإضرار بالغير فإذا خرج الحق عن حدوده كان ذلك تعسفا في استعماله يستوجب التعويض العين بالرد من خلال ما يكفله لكل شخص من الرد على ما تنشره الصحف(1)