مولاتي جميلة الإدارة العامة
آخر مواضيعي : الجنس : البلد : تاريخ التسجيل : 20/04/2010 عدد المساهمات : 1338 نقاط النشاط : 29461 المزاج : الحمد لله التقييم : 100 الإشراف : قسم الطلبات
قسم الشعر والخواطر
أوسمة العضو : الموقع : www.mawlatidjamila.keuf.net تعاليق :
| موضوع: بحث حول نظرية الظروف الطارئة في الفقه الاسلامي والتشريعات العربية الثلاثاء أبريل 09, 2013 8:49 pm | |
| نظرية الظروف الطارئة في التشريعات العربية والفقه الاسلامي
تمهيد تعريف نظرية الظروف الطارئة إن تسمية هذه النظرية بهذا الاسم، فيه الدلالة الكافية على معناها، حيث تفترض هذه النظرية أن عقدا يتراخى تنفيذه إلى أجال ، وعند حلول أجل التنفيذ تكون الظروف الاقتصادية قد تغيرت تغيرا فجائيا لم يكن منظوراً وقت إبرام العقد فيصبح الوفاء بالالتزامات الناشئة من العقد لا مستحيلا استحالة تامة ينقضي بها الالتزام كالاستحالة التي تنشأ من القوة القاهرة مثلا، وإنما يصبح مرهقا للمدين بحيث يؤدي إجباره عليه إلى إفلاسه أو ينزل به على الأقل خسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف والسؤال : ما مصير هذا العقد وما ينبغي أن يكون موقف المشرع أو القاضي من هذا المدين الذي ابرم العقد وهو عازم على تنفيذه بأمانة وحسن نية، إلا أن ظروف باغتته لم تكن في الحسبان طرأت به، أعاقته عن تنفيذ التزامه وهددته بخسارة فادحة ؟. نود بداية أن نؤكد بأن أي عقد, ينعقد إذا أرتبط الإيجاب بالقبول على نحو يثبت أثره في المعقود عليه, وعلى أن يتم ذلك الارتباط وفقاً للصيغ والأوضاع التي ينص عليها أو يتطلبها القانون وبعبارة أخرى فأنه إذا توافرت للعقد أركانه مستوفية شروط صحتها وذلك بأن صدر من أهله مضافاً إلى محل قابل لحكمه ولم يشب إرادة العاقدين عيب يفسدها فقد انعقد العقد صحيحاً نافذاً وترتبت عليه آثاره. والأصل في العقد الصحيح واللازم عدم استطاعة احد العاقدين الرجوع عنه بإرادته المنفردة, حيث يكون ملزماً لطرفيه ويجب عليهما الوفاء بالالتزامات المترتبة عليه. ولا يستطيع أي منهما أن ينفرد بنقضه أو تعديله إلا باتفاقهما على ذلك أو استناداً إلى نص في القانون فالالتزام الذي ينشئه العقد يساوي الالتزام الذي يفرضه القانون, وحيث لا يجوز الخلاص من التزام مفروض بقوة أو بحكم القانون, لذا لا يجوز للمتعاقد أن يتحلل من التزام نشأ عن عقد هو طرف فيه, فالعقد كما هو معروف شريعة المتعاقدين بمعنى أنه قانونهما الخاص الذي يتضمن التزامات كل من طرفيه, وعليهما تنفيذه بكل ما أشتمل عليه من بالإضافة إلى كل ما يعتبر من مستلزماته وبما يتماشى مع القانون أو العرف أو العدالة وطبقاً لطبيعة الالتزام موضوع ذلك العقد . ومن المفروض أن تتوازن التزامات طرفي العقد من الناحية الاقتصادية في مرحلة تكوين العقد. فإذا ثبت حصول اختلال في تلك الالتزامات ضمن المرحلة المذكورة فإن معالجة مثل هذا الاختلال والآثار الناجمة أو الناشئة عنه أو بسببه وصولاً إلى إزالة الضرر الذي لحق بأحد المتعاقدين, تتم استناداً إلى الأحكام الخاصة بعقود الإذعان أو نظرية الاستغلال وبالقدر الذي يتصل بموضوع العقد وطبيعة الاختلال الناشيء , أما إذا حصل اختلال في التوازن الاقتصادي في مرحلة لاحقة على تكوين العقد ونقصد بها مرحلة تنفيذ العقد وذلك بسبب حوادث استثنائية عامة وغير متوقعة, فأن معالجة مثل هذا الاختلال وبالتالي إزالة الضرر الناشئ عنه تتم استناداً إلى الأحكام الخاصة بنظرية الظروف الطارئة. تقول نظرية الظروف الطارئة بأن الالتزام لا ينقضي لأن الحادث الطارئ ليس قوة قاهرة، ولا يبقى هذا الالتزام كما هو لأنه مرهق، ولكن يرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول حتى يطيق المدين تنفيذه، بحيث يطيقه بمشقة ولكن في غير إرهاق وهذا بالرغم من تشبث الدائن بالقوة الملزمة للعقد وتمسكه بمطالبة المدين بوفاء التزاماته كاملة، متجاهلا ما تغير من الظروف وما يلحق بالمدين من خسارة لو اكره على التنفيذ . فالمقصود بالظرف أو الحادث الطارئ في هذه النظرية هو: ( كل حادث عام, لاحق على تكوين العقد, وغير متوقع الحصول على التعاقد, ينجم عنه اختلال بَيِّن في المنافع المتولدة عن عقد يتواخى تنفيذه إلى أجل أو آجال, ويصبح تنفيذ المدين لالتزامه كما أوجبه العقد يرهقه إرهاقاً شديداً ويتهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف في خسائر التجار. وذلك كخروج سلعة تعهد المدين بتوريدها من التسعيرة وارتفع سعرها ارتفاعاً فاحشاً غير مألوف ولا متوقع. وهنا تقول: نظرية الظروف الطارئة: " بأن القاضي له أن يوزع تبعة الحادث الطارئ بين طرفي العقد, ويرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول, حتى يطيق المدين تنفيذه, يطيقه بمشقة, ولكن في غير إرهاق. لكن أول ما ينبغي التنبه إليه هنا هو: تمييز الحادث الطارئ عن القوة القاهرة في القانون الوضعي, برغم أن كلا منهما هو أمر غير متوقع الحصول عند التعاقد, ولا يمكن دفعه, إلا أنهما يختلفان من حيث إن القانون قد اشترط في الحادث الطارئ أن يكون عاماً ورتب عليه تعديل العقد, ورد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول. بينما يمكن أن تكون القوة القاهرة حادثاً فردياً أو عاماً كان ينقضي بها الالتزام ؛ لاستحالة التنفيذ.
المبحث الاول التطور التاريخي لنظرية الظروف الطارئة (أ) النظرية في العصور الوسطى: ظهرت النظرية في ملامحها الأولى بالنسبة للقانون الوضعي في العصور الوسطى في القانون الكنسي, فقد كان رجال الكنيسة في العصور الوسطى يرتبون أثراً قانونياً على الحوادث الطارئة التي تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين, حيث يقع هناك غبن على المدين المرهق, والغبن لا يجوز, سواء عاصر تكوين العقد أو وجد عند تنفيذه ؛ إذ هو ضرب من الربا المحرم في نظر الكنيسة لا يحل أكله, وهو إثراء دون حق للدائن على حساب المدين المرهق. أما القانون الروماني فكان يخلو من مبدأ عام يصلح كأساس لنظرية الظروف الطارئة لأسباب عدة، من أهمها تمسكه بالشكليات المفروضة وعدم جواز تعديل العقد، ثم أن هذه النظرية تمثل ثغرة ينفد منها القاضي إلى العقد فينال من قوته الملزمة، حيت يستطيع تعديل العقد بطلب من أحد المتعاقدان دون رضاء الآخر.
(ب) النظرية في التشريعات الحديثة: بالنسبة لفرنسا لم يأخذ القانون المدني الفرنسي بنظرية الظروف الطارئة, في حين أخذ بها القضاء الإداري الفرنسي اجتهاداً ؛ تبعا لمقتضيات المصلحة العامة. 1- النظرية في فرنسا: أولاً: النظرية في القانون الخاص (القانون المدني الفرنسي): تعتبر فرنسا أشهر البلاد عناداً في رفض نظرية الظروف الطارئة, وأكثرها صراحة وحرصاً على التمسك بنظرية القوة الملزمة للعقد, وهي في ذلك تعبر عن وجهة نظر البلاد التي رفضت الأخذ بالنظرية ؛ وذلك أن نظرية الظروف الطارئة ثغرة ينفذ منها القاضي إلى العقد, فينال من قوته الملزمة, ولقد ثبت القانون المدني الفرنسي الحديث على هذا الموقف, فلم يقر النظرية, لا فقهاً ولا قضاءً. فلقد حاولت بعض المحاكم الفرنسية أن تمس حرمة التعاقد, وتفتح ثغرة في قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين), بقبول نظرية الظروف الطارئة, فسدتها محكمة النقض الفرنسية, وقضت على هذه المحاولة, وأرست اجتهادها برفض النظرية كلما عرضت, منذ صدور القانون المدني الفرنسي حتى اليوم. ثانياً: النظرية في القانون العام (القانون الإداري الفر نسي): أخذ القضاء الإداري الفرنسي بنظرية الظروف الطارئة, وطبقها خلال الحرب العالمية الأولى, بسبب تبدل الظروف الاقتصادية وتأثيرها في تنفيذ عقود التزام المرافق العامة ؛ وذلك لضرورة تأمين النظام العام وسير المرافق العامة , وقد أخذ القضاء الفرنسي دون القضاء المدني بنظرية الحوادث الطارئة لسببين: السبب الأول: أن القضايا التي تعرض على القضاء الإداري تتصل اتصالاً وثيقاً بالصالح العام ؛ ولذلك يحرص القضاء الإداري على أن يوفق في أحكامه بين التطبيق الصحيح للقواعد القانونية وبين مقتضيات المصلحة العامة. السبب الثاني: أن القضاء الإداري ليس مقيداً بنصوص تشريعية كالقانون المدني فهو يتمتع بكثير من الحرية والسلطات الواسعة, التي تجعل بعض أحكامه أقرب إلى التشريع كما تيسر له أن يماشي تطور الظروف. (ج) النظرية في التشريعات العربية: لقد ظلت أكثر البلدان العربية جزءاً من الدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918م, وكانت البلاد تطبق أحكام المجلة (مجلة الأحكام العدلية) التي صدرت في تركيا عام 1876م, والتي تعتبر بمثابة القانون المدني, وفقاً لأحكام المذهب الحنفي في الشريعة الإسلامية, وقد أخذت المجلة بنظرية العذر, فنصت المادة 443 منها على جواز فسخ الإجارة عند حدوث مانع لإجراء موجب العقد, انحصرت تطبيقات النظرية في حدود ما يعتبره فقهاء المذهب الحنفي عذراً في فسخ الإجارة , ولقد بقيت أحكام " المجلة " مطبقة أمداً بعيداً في البلاد العربية, حتى بعد انفصالها عن الدولة العثمانية, ولم تلغ أحكامها إلا في البلاد التي اختارت قانوناً وضعياً خاصاً بها ولذلك سوف نعرض هنا لوضع نظرية الظروف الطارئة في التشريعات العربية اللاحقة على المجلة , وفق ما يلي : النظرية في القانون المدني المصري: أخذ القانون المدني المصري الجديد الصادر في 16 يونيو "حزيران" 1948م بنظرية الظروف الطارئة ؛ حيث نصت المادة (147) منه على ما يلي: 1- العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين, أو للأسباب التي يقر رها القانون. 2- ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها ترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي, وأن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقا للمدين, بحيث يهدده بخسارة فادحة, جاز للقاضي تبعاً للظروف, وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك. النظرية في القانون المدني السوري: كانت سوريا إحدى الولايات العثمانية ؛ لذلك كانت تخضع لأحكام " المجلة " كغيرها من الولايات العثمانية, ومع أن سوريا ولبنان يومها كانا يؤلفان وحدة تشريعية في القوانين الأساسية, إلا أن لبنان قد اتجه وحده بعد ذلك إلى إبدال أحكام " المجلة " بقانون وضعي للموجبات والعقود, وصدر القانون المدني السوري في 18 أيار (مايو) 1949م, وما زال مطبقاً حتى الآن دون تعديل, وقد أخذ هذا القانون أحكام الالتزامات والعقود من القانون المدني المصري الجديد, فدخلت بذلك نظرية " الظروف الطارئة " بالنص الوارد في القانون المصري, وأخذت النظرية مكانها في القانون المدني السوري بالمادة (148). النظرية في القانون المدني العراقي: تألفت في العراق عام 1943م لجنة برئاسة الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري, فأنجزت مشروع القانون المدني العراقي بعد ثلاثة أعوام, ووافق عليه مجلس الأمة بتاريخ 8 أيلول (سبتمبر) 1951م, على أن يطبق بعد سنتين من تاريخ نشره, وقد أخذ القانون العراقي الجديد في المادة /146 منه بقاعدة الحوادث الطارئة, واختار لها النص الوارد في المشروع التمهيدي للقانون المصري. النظرية في القانون الليبي: صدر القانون المدني الجديد في ليبيا في الثامن والعشرين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1953م وقد اقتبس هذا القانون من القانون المدني المصري الجديد مع اختلاف يسير, فأخذ بنظرية الظروف الطارئة ونص عليها في المادة (147) وهي تتفق في نصها مع النص الوارد في القانون المصري والسوري معاً. النظرية في القانون اللبناني : رفض الاجتهاد القضائي في لبنان تطبيق نظرية الظروف الطارئة, مقتدياً في ذلك بالاجتهاد الفرنسي, وقرر أن تنفيذ العقد ملزم للمتعاقدين, ما لم يكن مستحيلاً استحالة مطلقة بسبب قوة قاهرة غير متوقعة, ولم يعتبر صعوبة التنفيذ لظروف طارئة من الأسباب الداعية لإسقاط الموجب أو انقضاء الالتزام أو تعديله. النظرية في القانون الجزائري : تقضي المادة 107/3 على« غير أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وان لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة لمصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك ». النظرية في القوانين الأخرى: اتجهت القوانين العربية الأخرى نفس النهج حيث أخذت بهذه النظرية القانوني المدني الإماراتي بالمادة ( 249) والقانون المدني الأردني بالمادة (205) والقانون المدني السوداني الجديد المادة (117) , وقد حدد القانون السوداني في فقرته الثانية من ذات المادة درجة الخسارة الفادحة خلاف القوانين الأخرى , حيث نصت الفقرة على " لا يعتبر الالتزام مرهقاً إلا إذا زادت الخسارة عن ثلث الالتزام " , وهذا فيه تحديد لمعيار لدرجة الخسارة الفادحة وهذا النص ميزة لضمان استقرار الاجتهاد وضمان الاستقرار .
المبحث الثاني نظرية الظروف الطارئة في الشريعة الإسلامية: تعتبر نظرية الظروف الطارئة من صميم الفقه الإسلامي، فهي تقوم على أساس الضرورة، والعدل ،والإحسان لقوله تعالى((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)) سورة البقرة، الآية 185, وقوله سبحانه ((ان الله يأمر بالعدل والاحسان)) سورة النحل، الآية 90 . فانطلاقا من ذلك تنبه فقهاء الشريعة الإسلامية إلى أثر الظروف الاقتصادية، ومجافاة هذا الوضع لقواعد العدالة، فاسندوا نظرية الظروف الطارئة إلى نظرية العذر، ونظرية الحوائج، ونظرية الضرورة ، وكلها نظريات تتماشى مع أحدث النظريات القانونية في هذا المجال. ولقد جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير من القواعد الكلية والمبادئ الفقهية التي تقوم على أساس نظرية الضرورة، ويتفرع عن هذه النظرية جملة من القواعد تدخل ضمنها 'لا ضرر ولا ضرار'، 'المشقة تجلب التيسير'، 'الضرر يزال'، 'الضرورات تبيح المحظورات'، 'الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف'، 'الضرر الخاص لدفع الضرر العام'، 'درء المفاسد أولى من جلب المصالح'، 'الضرورات تقدر بمقدارها'، وغيرها من القواعد الكلية التي تجيز تغير العقود وتعديلها , وبالرغم من معرفة الفقه الإسلامي لتطبيقات متنوعة لهذه النظرية، إلا أنه يصعب القول بأن الفقه الإسلامي أشاد نظرية متماسكة الأطراف للحوادث الطارئة، حيث حال دون ذلك سببين : 1. أن الفقه الإسلامي لا في نظرية الظروف الطارئة ولا في غيرها من النظريات أَلِف وضع النظريات العامة المتماسكة. ذلك أن الفقه الإسلامي يعالج المسائل مسألة مسألة، ويضع لها حلول عملية عادلة يناسب فيها تيارا خفيا من المنطق القانوني المتسق. وعلى الباحث أن يكشف على هذا التيار وان يشيد نظرية متماسكة يسودها منطق قانوني سليم من الحلول المتفرقة للمسائل المختلفة، وهكذا يبني بهذه الأحجار بناءا راسخ الأركان. 2. أن الفقه الغربي اضطر إلى وضع نظرية عامة للحوادث الطارئة لأن قوة العقد الملزمة فيه قد بولغ فيها مبالغة دعت إلى إيجاد وسائل تخفف منها نزولا عند مقتضيات العادلة، فكانت المبالغة تحت تأثير المذاهب الفردية، والتخفيف تحت تأثير مذهب التضامن الاجتماعي. أما الفقه الإسلامي حيث مقتضيات العدالة تسود دائما عند تعارضها مع القوة الملزمة للعقد، فقد أمكن في ضوء هذه المقتضيات فتح ثغرات مختلفة في القوة الملزمة للعقد دون أن يرى الفقهاء داعيا لوضع نظرية يرجع إليها في تبرير ذلك، ما دامت مقتضيات العدالة هي التي يلجأ إليه عادة في هذا التبرير . وبالرجوع إلى تطبيقات نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي، نجدها مختلفة ومتنوعة نذكر منها، الأعذار في الإيجار . أ/- الأعذار في عقد الإيجار: لم تتفق المذاهب المختلفة على حكم واحد في فسخ الإيجار بالعذر، فمنها من توسع في ذلك توسعا كبيرا، وهذا هو المذهب الحنفي، ومنها من ضيق مع تفاوت في هذا التضييق، وهذه هي المذاهب الفقهية الثلاثة الأخرى , والمراد بالعذر في هذا المذهب الحنفي هو العجز عن المضي على موجب العقد إلا بتحمل ضرر غير مستحق به، أي بعقد الإجارة، والمقصود بالمستحق بالعقد ما يكون ناشئا مما يوجبه التزام الطرفين، فكل ضرر يحصل لأحد المتعاقدين من بقاء العقد على اللزوم، وينشئ من سبب خارج عن نطاق الالتزام، فهو عذر. ويفسخ الإيجار عنده لعذر يقوم في جانب المستأجر، أو لعذر يقوم في جانب المؤجر، أو لعذر يقوم بالنسبة للعين المؤجرة. - العذر في جانب المستأجر: كأن يفلس المستأجر فيخرج من السوق، ويكون هذا عذر لفسخ الإجارة، وكذلك لو أراد المستأجر السفر لمصلحة لا يستطيع تفويتها إلا بمضرة. - العذر في جانب المؤجر: نحو أن يلحقه دين فادح لا يجد قضاءه إلا من ثمن بيع العين المؤجرة، ذلك أن بيع العين لا ينفذ إلا بإجازة المستأجر، فيكون هذا عذرا لفسخ الإجارة. - العذر بالنسبة لعين المؤجرة: ومثاله لو أجر أب صبي له ثم بلغ الولد أثناء الإجارة وأنف من خدمة الناس، كان ذلك عذرا لفسخها، لأن في إبقاء العقد بعد البلوغ ضررا للصبي. وختاما لتنظيم الشريعة الإسلامية لنظرية الظروف الطارئة، تجدر الإشارة إلى أن الفقيه الكبير الأستاذ ' إدوارد لامبير ' أكد في المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي انعقد بلاهاي سنة 1932 بأن " نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي تعبر بصورة أكيدة ومثالية عن فكرة يوجد أساسها في القانون الدولي العام في نظرية الظروف المتغيرة، وفي القضاء الإداري الفرنسي في نظرية الظروف الطارئة، وفي القضاء الإنجليزي فيما أدخله من المرونة على نظرية استحالة تنفيذ الالتزام تحت ضغط الظروف الاقتصادية التي نشأت بسبب الحرب، وفي القضاء الدستوري الأمريكي في نظرية الحوادث المفاجئة " .
المبحث الثالث شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة لنظرية الظروف الطارئة شروط يلزم توافرها لتطبيق النظرية, ولكن القانون المدني المصري الجديد لم يأخذ بالشرط الأول منها, وهي كما يلي: الشرط الأول: أن يكون العقد الذي تثار النظرية بشأنه متراخياً: وذلك أن طروء حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وقت التعاهد - كما هو نص القانون - يقتضي أن تكون هناك فترة تفصل ما بين صدور العقد وتنفيذه, على أن العقد إذا كان غير متراخ. الشرط الثاني: أن تجدّ بعد صدور العقد حوادث استثنائية عامة: مثل زلزال, أو حرب, أو إضراب مفاجئ, أو قيام تسعيرة رسمية, أو إلغاؤها, أو ارتفاع باهظ في الأسعار, أو نزول فاحش فيها, أو وباء ينتشر, أو جراد يزحف أسراباً, ويظهر من هذه الأمثلة أن الحوادث لا بد أن تكون استثنائية يندر وقوعها. الشرط الثالث: أن تكون هذه الحوادث الاستثنائية العامة ليس في الوسع توقعها ولا دفعها. وعليه فإذا أمكن توقعها فلا سبيل لتطبيق نظرية الحوادث الطارئة, ويتفرع على أن الحادث الطارئ لا يمكن توقعه أن يكون أيضاً مما لا يستطاع دفعه ؛ فإن الحادث الذي يستطاع دفعه يستوي في شأنه أن يكون متوقعاً أو غير متوقع, ولا يكون حينئذ حادثاً. الشرط الرابع: أن تجعل هذه الحوادث الطارئة تنفيذ الالتزام مرهقاً لا مستحيلاً. وهنا يظهر الفرق بين الحادث الطارئ والقوة القاهرة, فهما - وإن كانا يشتركان في أن كلاً منهما لا يمكن توقعه ولا يستطاع دفعه - إلا أنهما يختلفان في أن القوة القاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً, فينقضي بها الالتزام, بينما الحادث الطارئ يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً فحسب, فيرد القاضي الالتزام المرهق إلى الحد المعقول, فتتوزع الخسارة بين الدائن والمدين, ويتحمل المدين شيئاً من تبعة الحادث. ويلاحظ هنا أن الإرهاق الذي يقع فيه المدين من جراء الحادث الطارئ, معيار مرن, ليس له مقدار ثابت ومحدد, بل يتغير بتغير الظروف, فما يكون مرهقاً لمدين قد لا يكون مرهقاً لمدين آخر, وما يكون مرهقاً لمدين في ظروف معينة قد لا يكون مرهقاً لنفس المدين في ظروف أخرى, لكن المهم في هذه الحال أن يصبح تنفيذ الالتزام بحيث يهدد المدين بخسارة فادحة, فالخسارة المألوفة في التعامل لا تكفي ؛ لأن التعامل كسب وخسارة.
المبحث الرابع الحكم في نظرية الظروف الطارئة إذا توافرت الشروط المتقدمة (جاز للقاضي - تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين - أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول, ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك). ولذلك فصلاحية القاضي برد الالتزام إلى الحد المعقول واسعة فهو قد يرى زيادة الالتزام المقابل, أو إنقاص الالتزام المرهق, أو وقف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث الطارئ. 1. قد يرى وقف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث الطارئ إذا كان الحادث وقتياً يقدر له الزوال , كما إذا تعهد مقاول بإقامة بناء, وارتفعت أسعار بعض مواد البناء ارتفاعاً فاحشاً, لكن يوشك أن يزول لقرب فتح باب الاستيراد مثلاً فيوقف القاضي التزام المقاول بتسلم المبنى في الموعد المتفق عليه, حتى يتمكن المقاول من القيام بالتزامه دون إرهاق, إذا لم يكن في وقف التنفيذ هنا ضرر جسيم يلحق صاحب المبنى. 2. قد يرى زيادة الالتزام المقابل للالتزام المرهق, كما إذا تعهد تاجر بتوريد ألف إردب من الشعير, بسعر ستين قرشاً للإردب, فيرتفع السعر إلى أربعة جنيهات فيرفع القاضي السعر الوارد في العقد, ولكن يلاحظ هنا أمران : الأمر الأول: أن القاضي لا يرفع السعر الوارد في العقد إلى أربعة جنيهات, وإلا كان في ذلك تحميل للطرف الآخر, ليس فقط تبعة الارتفاع الفاحش للأسعار بأكمله, بل أيضاً تبعة الارتفاع المألوف. الأمر الثاني: أن القاضي عندما يرفع السعر لا يفرض على الطرف الآخر أن يشتري بهذا السعر, بل يخيره أن يشتري به أو يفسخ العقد, فإذا اختار الفسخ كان هذا أصلح للمدين , إذ يرتفع عن عاتقه بذلك كل أثر للحادث الطارئ. 3- قد يرى إنقاص الالتزام المرهق: كما إذا تعهد تاجر بتوريد جميع كميات كبيرة من السكر, لمصنع من مصانع الحلوى بالتسعيرة الرسمية, ثم قل المتداول من السكر في السوق إلى حد كبير لحادث طارئ, كحرب منعت استيراد السكر, أو إغلاق بعض مصانع السكر, فيصبح من العسير على التاجر توريد جميع الكميات المتفق عليها ؛ فللقاضي في هذه الحالة أن ينقص من هذه الكميات بالمقدار الذي يراه, حتى يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول, فيصبح ملتزماً بتوريد الكميات التي عينها القاضي لا أكثر. ويلاحظ في حالتي (إنقاص الالتزام المرهق, وزيادة الالتزام المقابل) أن القاضي يرد الالتزام إلى الحد المعقول بالنسبة للحاضر فقط, ولا شأن له بالمستقبل ؛ لأنه غير معروف ؛ فقد يزول أثر الحادث الطارئ, فيرجع العقد إلى ما كان عليه قبل التعديل, وتعود له قوته الملزمة كاملة كما كان في الأصل.
خاتمة أما ما يمكن أن نختم به هذا المبحث، فهو الإشارة إلى كون نظرية الظروف الطارئة، نظرية حديثة أخذت بها جل القوانين العربية مستمدة إياها من الشريعة الإسلامية، وخالفت بذلك ما استقر عليه القضاء المدني الفرنسي والقوانين الغربية مند عهد طويل، فالعقد عندهم شريعة للمتعاقدين لا يجوز تعديله إلا باتفاق المتعاقدين، وعلى ذلك فنظرية الظروف الطارئة تعتبر استثناءا يرد على المبدأ، ولذا أوردها القانون المصري كاستثناء في فقرة ثانية على كون العقد شريعة للمتعاقدين وعلى خطى هذا الأخير سارت جل القوانين المدنية العربية . | |
|